نص المتن :
{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لَاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم} (1) .
وَقَدِ اختُلف فِي تَسْبِيحِ الْجَمَادَاتِ الَّتِي لَا تَنْطِقُ؛ هَلْ هُوَ بِلِسَانِ الْحَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْمَقَالِ؟ وَعِنْدِي أَنَّ الثَّانِيَ أَرْجَحُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِن لَاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم} ؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَسْبِيحَهَا بِلِسَانِ الْحَالِ؛ لَكَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا، فَلَا يصحُّ الِاسْتِدْرَاكُ.
وَقَدْ قالَ تَعَالَى خَبَرًا عَنْ داودَ عَلَيْهِ السلامُ:
{إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ} (2) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي … } إِلَخْ؛ فَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ مَعْنَى {تَبَارَكَ} مِنَ الْبَرَكَةِ؛ وَهِيَ دَوَامُ الْخَيْرِ وَكَثْرَتُهُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ سَبْقُ النَّقْصِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ تجدُّد الْكَمَالَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ التَّابِعَةِ لِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَإِنَّهَا تتجدَّد فِي ذَاتِهِ عَلَى وَفْقِ حِكْمَتِهِ، فالخلوُّ عَنْهَا قَبْلَ اقْتِضَاءِ الْحِكْمَةِ لَهَا لَا يعتبرُ نَقْصًا (3) (*) .
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُهُمُ التَّبَارُكُ بِالثَّبَاتِ وَعَدَمِ التغيُّر، وَمِنْهُ سمِّيت البِرْكَة؛ لِثُبُوتِ مَائِهَا. وَهُوَ بَعِيدٌ.
«وَالْمُرَادُ بِـ {الْفُرْقَانَ} الْقُرْآنُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لقوَّة تَفْرِقَتِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ.
وَالتَّعْبِيرُ بِـ {نَزَّلَ} بِالتَّشْدِيدِ؛ لِإِفَادَةِ التدرُّج فِي النُّزُولِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً.
وَالْمُرَادُ بِـ {عَبْدِه} ِ مُحَمَّدٌ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِلَقَبِ الْعُبُودِيَّةِ لِلتَّشْرِيفِ ـ كَمَا سَبَقَ ـ.
وَ {اِلْعَالَمِينَ} ؛ جَمْعُ عالَم، وَهُوَ جَمْعٌ لِمَا يَعْقِلُ، واختُلِف فِي الْمُرَادِ بِهِ، فَقِيلَ: الْإِنْسُ. وَقِيلَ: الْإِنْسُ وَالْجِنُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مرسلٌ إِلَى الْجِنِّ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَجْتَمِعُ بِهِمْ، وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَأَنَّ مِنْهُمْ نَفَرًا أَسْلَمَ حِينَ سَمِعَ الْقُرْآنَ وَذَهَبَ يُنْذِرُ قَوْمَهُ بِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} (1) .
وَالنَّذِيرُ وَالْمُنْذِرُ هُوَ مَنْ يُعْلِم بِالشَّيْءِ مَعَ التَّخْوِيفِ، وَضِدُّهُ الْبَشِيرُ أَوِ المبشِّر، وهوَ مَنْ يُخْبِرُكَ بِمَا يسرُّك.
ظهر الأحد 21 شوال 1443هـ