نص المتن :
وَلَيْتَ شِعْرِي! مَاذَا يُرِيدُ هَؤُلَاءِ المعطِّلة أَنْ يَقُولُوا؟!
أَيُرِيدُونَ أَنْ يَقُولُوا: لَيْسَ فِي السَّمَاءِ ربٌّ يُقْصَدُ، وَلَا فَوْقَ الْعَرْشِ إِلَهٌ يُعْبَدُ؟!
فَأَيْنَ يَكُونُ إِذَنْ؟!
ولعلَّهم يَضْحَكُونَ مِنَّا حِينَ نَسْأَلُ عَنْهُ بِـ (أَيْنَ) ! وَنَسُوا أَنَّ أَكْمَلَ الْخَلْقِ وَأَعْلَمَهُمْ بِرَبِّهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ قَدْ سَأَلَ عَنْهُ بِـ (أَيْنَ) حِينَ قَالَ لِلْجَارِيَةِ: ((أَيْنَ اللَّهُ؟)) .وَرَضِيَ جَوَابَهَا حِينَ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ (2) .
وَقَدْ أَجَابَ كَذَلِكَ مَن سَأَلَهُ بِـ: أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أن يخلق السموات
وَالْأَرْضَ؟ بِأَنَّهُ كَانَ فِي عَمَاءٍ.. الْحَدِيثَ (1) .
وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ زَجَرَ السَّائِلَ، وَلَا قَالَ لَهُ: إِنَّكَ غَلَطْتَ فِي السُّؤَالِ.
إِنَّ قُصَارَى مَا يَقُولُهُ الْمُتَحَذْلِقُ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ وَلَا مَكَانَ، ثُمَّ خَلَقَ الْمَكَانَ، وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْمَكَانِ.
فَمَاذَا يَعْنِي هَذَا المُخَرِّف بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ؟!
هَلْ يَعْنِي بِهِ تِلْكَ الْأَمْكِنَةَ الْوُجُودِيَّةَ الَّتِي هِيَ دَاخِلُ مُحِيطِ الْعَالَمِ؟!
فَهَذِهِ أَمْكِنَةٌ حَادِثَةٌ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِوُجُودِ اللَّهِ فِي شيءٍ مِنْهَا؛ إِذْ لَا يَحْصُرُهُ وَلَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ.
وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ بِهَا الْمَكَانَ العَدَميَّ الَّذِي هُوَ خلاءٌ محضٌ لَا وُجُودَ فِيهِ؛ فَهَذَا لَا يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ خَلْقٌ؛ إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخَلْقُ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ عدميٌّ، فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ فِي مَكَانٍ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ كَمَا دلَّت عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ؛ فَأَيُّ محذورٍ فِي هَذَا؟!
بَلِ الْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، ثم خلق السموات وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وَثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ لَا لمجرَّد الْعَطْفِ
ظهر الأربعاء 24 شوال 1443هـ