الدروس العلمية شرح العقيدة الواسطية للهراس [1442 هـ] شروح العقيدة

الدرس الثامن والسبعون من شرح العقيدة الواسطية للهراس



duroos icon

نص المتن :

(وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} (2) ، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} (3) ، {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} (4) ، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} (5) ، وَقَوْلُهُ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ، {مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ} (6) ، {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (7) ، {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (8) ، وَقَوْله: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (9) {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} (1) ، وَقَوْلُهُ: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} (2)) (3) .]ـ
/ش/ تضمَّنت هَذِهِ الْآيَاتُ إِثْبَاتَ صِفَةِ الْكَلَامِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ حَوْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِزَاعًا كَبِيرًا:
فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ كَلَامَهُ سُبْحَانَهُ مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا مِنْهُ، وَقَالَ: إِنَّ مَعْنَى (متكلِّم) : خالقٌ لِلْكَلَامِ. وَهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ لَازِمًا لِذَاتِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَا يتعلَّق بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَنَفَى عَنْهُ الْحَرْفَ وَالصَّوْتَ، وَقَالَ: إِنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ فِي الْأَزَلِ. وَهُمُ الكُلَاّبيَّة (4) وَالْأَشْعَرِيَّةُ.
وَمِنْهُمْ مَن زَعَمَ أَنَّهُ حروفٌ وأصواتٌ قديمةٌ لَازِمَةٌ للذَّات، وَقَالَ: إِنَّهَا مُقْتَرِنَةٌ فِي الْأَزَلِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وَهُمْ بَعْضُ الْغُلَاةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ حَادِثًا قَائِمًا بِذَاتِهِ تَعَالَى، ومتعلِّقًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَكِنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ ابْتِدَاءً فِي ذَاتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ متكلِّمًا فِي الْأَزَلِ. وَهُمُ الكرَّامية (1) .
وَيَطُولُ بِنَا الْقَوْلُ لَوِ اشْتَغَلْنَا بمناقشة هذه الأقول وَإِفْسَادِهَا، عَلَى أَنَّ فَسَادَهَا بيِّنٌ لِكُلِّ ذِي فهمٍ سليمٍ، ونظرٍ مستقيمٍ.
وخلاصةُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ متكلِّمًا إِذَا شَاءَ، وَأَنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، يتكلَّم بِهَا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَهُوَ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ متكلِّمًا إِذَا شَاءَ، وَمَا تكلَّم اللَّهُ بِهِ فَهُوَ قائمٌ بِهِ لَيْسَ مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ؛ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَلَا لَازِمًا لِذَاتِهِ لُزُومَ الْحَيَاةِ لَهَا؛ كَمَا تَقُولُ الْأَشَاعِرَةُ؛ بَلْ هُوَ تابعٌ لِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ نَادَى مُوسَى بصوتٍ، وَنَادَى آدَمَ وَحَوَّاءَ بصوتٍ، وَيُنَادِي عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بصوتٍ، ويتكلَّم بِالْوَحْيِ بصوتٍ، وَلَكِنَّ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ الَّتِي تكلَّم اللَّهُ بِهَا صِفَةٌ لَهُ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَلَا تُشْبِهُ أَصْوَاتَ الْمَخْلُوقِينَ وَحُرُوفَهُمْ؛ كَمَا أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ الْقَائِمَ بِذَاتِهِ لَيْسَ مِثْلَ عِلْمِ عِبَادِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُمَاثِلُ الْمَخْلُوقِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ.
وَالْآيَتَانِ الْأُولَيَانِ هُنَا ـ وَهُمَا مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ ـ تَنْفِيَانِ أَنْ يَكُونَ أحدٌ أصدقَ حَدِيثًا وَقَوْلًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ أَصْدَقُ مِنْ كُلِّ أحدٍ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِالْحَقَائِقِ المخبَرِ عَنْهَا أَشْمَلُ وَأَضْبَطُ، فَهُوَ يَعْلَمُهَا عَلَى مَا هِيَ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَعِلْمُ غَيْرِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى….} إلخ؛ فَهُوَ حكايةٌ لِمَا سَيَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَكَلِمَتِهِ عِيسَى عمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ الَّذين ألَّهوه وَأُمَّهُ مِنَ النَّصَارَى مِنْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِأَنْ يتَّخِذوه وأمَّه إلهينِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وَهَذَا السُّؤَالُ لِإِظْهَارِ بَرَاءَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَسْجِيلِ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ عَلَى هَؤُلَاءِ الضالِّين الْأَغْبِيَاءِ

 ظهر الاثنين 29 شوال 1443هـ

حفظ   

WordPress Themes