الدروس العلمية شرح العقيدة الواسطية للهراس [1442 هـ] شروح العقيدة

الدرس التاسع والسبعون من شرح العقيدة الواسطية للهراس



duroos icon

نص المتن :

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} ؛ فَالْمُرَادُ صِدْقًا فِي أَخْبَارِهِ، وَعَدْلًا فِي أَحْكَامِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى إِمَّا أَخْبَارٌ، وَهِيَ كُلُّهَا فِي غَايَةِ الصِّدْقِ، وَإِمَّا أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَكُلُّهَا فِي غَايَةِ الْعَدْلِ الَّذِي لَا جَوْرَ فِيهِ؛ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ هُنَا الْكَلِمَاتُ؛ لِأَنَّهَا أُضيفت إِلَى مَعْرِفَةٍ، فَتُفِيدُ مَعْنَى الْجَمْعِ؛ كَمَا فِي قَوْلِنَا: رَحْمَةُ اللَّهِ وَنِعْمَةُ اللَّهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَادَى مُوسَى وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، وَنَاجَاهُ حَقِيقِةً مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَبِلَا وَاسِطَةِ ملَكٍ؛ فَهِيَ تردُّ عَلَى الْأَشَاعِرَةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْكَلَامَ مَعْنًى قَائِمًا بِالنَّفْسِ؛ بِلَا حَرْفٍ، وَلَا صَوْتٍ!
فَيُقَالُ لَهُمْ: كَيْفَ سَمِعَ مُوسَى هَذَا الكلامَ النفسيَّ؟
فَإِنْ قَالُوا: أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِهِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِالْمَعَانِي الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يكلِّمَه بِهَا؛ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خُصُوصِيَّةٌ لِمُوسَى فِي ذَلِكَ.
وَإِنْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كَلَامًا فِي الشَّجَرَةِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ هِيَ الَّتِي قَالَتْ لِمُوسَى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} .
وَكَذَلِكَ تردُّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي جَعْلِهِمُ الْكَلَامَ مَعْنًى وَاحِدًا فِي الْأَزَلِ، لَا يَحْدُثُ مِنْهُ فِي ذَاتِهِ شيءٌ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} ؛ فَهِيَ تُفِيدُ حُدُوثَ الْكَلَامِ عِنْدَ مَجِيءِ مُوسَى لِلْمِيقَاتِ، وَيَقُولُ: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} ؛ فَهَذَا يَدُلُّ حُدُوثِ النِّدَاءِ عِنْدَ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ.
وَالنِّدَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا صَوْتًا مَسْمُوعًا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ آدَمَ وَحَوَّاءَ: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا … } الْآيَةَ؛ فَإِنَّ هَذَا النِّدَاءَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ فِي الْخَطِيئَةِ، فَهُوَ حَادِثٌ قَطْعًا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ … } إلخ؛ فَإِنَّ هَذَا النِّدَاءَ وَالْقَوْلَ سَيَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:

((مَا مِنْ عبدٍ إلَاّ سيكلِّمُهُ اللَّهُ يومَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بينَهُ وبينَه تَرجمان)) (1) .
ـ[ ( {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (2) ، {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ ـ[مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1) ، {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ} (2) ، {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (3) ، وَقَوْلُهُ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (4) ، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} (5) ، {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (6) ، {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (7)) .]ـ
/ش/ قَوْلُهُ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ … } إلخ؛ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ تُفِيدُ أَنَّ الْقُرْآنَ الْمَتْلُوَّ الْمَسْمُوعَ الْمَكْتُوبَ بَيْنَ دفَّتي الْمُصْحَفِ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَيْسَ فَقَطْ عِبَارَةً أَوْ حِكَايَةً عَنْ كَلَامِ اللَّهِ؛ كَمَا تَقُولُ الأشعريَّة وَإِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تدلُّ عَلَى أَنَّهُ صفةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِهِ، وَلَيْسَتْ كَإِضَافَةِ الْبَيْتِ أَوِ النَّاقَةِ؛ فَإِنَّهَا إِضَافَةُ مَعْنًى إِلَى الذَّاتِ، تدلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْمَعْنَى لِتِلْكَ الذَّاتِ؛ بِخِلَافِ إِضَافَةِ الْبَيْتِ أَوِ النَّاقَةِ؛ فإنَّها إِضَافَةُ أَعْيَانٍ، وَهَذَا يردُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ منفصلٌ عَنِ اللَّهِ

 ظهر الثلاثاء 30 شوال 1443هـ

حفظ   

WordPress Themes