الدروس العلمية شرح العقيدة الواسطية للهراس [1442 هـ] شروح العقيدة

الدرس الرابع والثمانون من شرح العقيدة الواسطية للهراس



duroos icon

نص المتن :

يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ:
((فالربُّ سُبْحَانَهُ إِذَا وَصَفَهُ رَسُولُهُ بِأَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، وَأَنَّهُ يَدْنُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إِلَى الْحُجَّاجِ، وَأَنَّهُ كلَّم مُوسَى بِالْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّهُ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دخانٌ، فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا؛ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَفْعَالُ مِنْ جِنْسِ مَا نُشَاهِدُهُ مِنْ نُزُولِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ الْمَشْهُودَةِ حَتَّى يُقال: ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَفْرِيغَ مَكَانٍ وَشَغْلَ آخَرَ)) (1) .
فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ بِالنُّزُولِ صِفَةً حَقِيقِيَّةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي يَشَاءُ، فَيُثْبِتُونَ النُّزُولَ كَمَا يُثْبِتُونَ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَقِفُونَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَا يكيِّفون وَلَا يمثِّلون وَلَا يَنْفُونَ وَلَا يعطِّلون، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الرَّسُولَ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ يَنْزِلُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْنَا كَيْفَ يَنْزِلُ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ فعَّال لِمَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَلِهَذَا تَرَى خواصَّ الْمُؤْمِنِينَ يتعرَّضون فِي هَذَا الْوَقْتِ الْجَلِيلِ لِأَلْطَافِ رَبِّهِمْ وَمَوَاهِبِهِ، فَيَقُومُونَ لِعُبُودِيَّتِهِ؛ خَاضِعِينَ خَاشِعِينَ، دَاعِينَ متضرِّعين، يَرْجُونَ مِنْهُ حُصُولَ مَطَالِبِهِمُ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ـ[ (وَقَوْلُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ التَّائِبِ مِنْ أَحَدِكُمْ [بِرَاحِلَتِهِ)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1)) .]ـ
/ش/ قَوْلُهُ: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا … )) إلخ؛ تَتِمَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ؛ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ:
((لَلَّهُ أشدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دويَّة مَهْلَكَةٍ وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَزَلَ عَنْهَا، فَنَامَ وَرَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَذَهَبَ فِي طَلَبِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا، حَتَّى أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَرْجِعَنَّ فَلَأَمُوتَنَّ حَيْثُ كَانَ رَحْلِي، فَرَجَعَ، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ: اللهمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ)) (2) .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الْفَرَحِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الصِّفَاتِ: أَنَّهُ صِفَةٌ حَقِيقَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ التَّابِعَةِ لِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ، فيَحْدُث لَهُ هَذَا الْمَعْنَى المعبَّر عَنْهُ بِالْفَرَحِ عِنْدَمَا يُحدِثُ عبدُه التوبةَ والإنابةَ إِلَيْهِ، وَهُوَ مستلزمٌ لِرِضَاهُ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ، وَقَبُولِهِ تَوْبَتَهُ.
وَإِذَا كَانَ الْفَرَحُ فِي الْمَخْلُوقِ عَلَى أَنْوَاعٍ؛ فَقَدْ يَكُونُ فَرَحَ خِفَّةٍ وَسُرُورٍ وَطَرَبٍ، وَقَدْ يَكُونُ فَرَحَ أشرٍ وبطرٍ؛ فَاللَّهُ عزَّ وجلَّ منزَّه عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، ففرحهُ لَا يُشْبِهُ فَرَحَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي أَسْبَابِهِ، وَلَا فِي غَايَاتِهِ فَسَبَبُهُ كَمَالُ رَحْمَتِهِ وَإِحْسَانُهُ الَّتِي يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يتعرَّضوا لَهَا، وَغَايَتُهُ إِتْمَامُ نِعْمَتِهِ عَلَى التَّائِبِينَ الْمْنِيبِينَ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْفَرَحِ بِلَازِمِهِ، وَهُوَ الرِّضَا، وَتَفْسِيرُ الرِّضَا بِإِرَادَةِ الثَّوَابِ؛ فكلُّ ذَلِكَ نفيٌ وتعطيلٌ لِفَرَحِهِ وَرِضَاهُ سُبْحَانَهُ، أَوْجَبَهُ سوءُ ظنِّ هَؤُلَاءِ المعطِّلة بِرَبِّهِمْ، حَيْثُ توهَّموا أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ تَكُونُ فِيهِ كَمَا هِيَ فِي الْمَخْلُوقِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ تَشْبِيهِهِمْ وَتَعْطِيلِهِمْ

 ظهر الاثنين 07 ذو القعدة 1443هـ

حفظ   

WordPress Themes