نص المتن :
فَكَمَالُ الْمَخْلُوقِ فِي تَحْقِيقِ تِلْكَ الْغَايَةِ، وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ تَحْقِيقًا لِلْعُبُودِيَّةِ؛ ازْدَادَ كَمَالُهُ، وَعَلَتْ دَرَجَتُهُ، وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِلَقَبِ الْعَبْدِ فِي أَسْمَى أَحْوَالِهِ وَأَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ؛ كَالْإِسْرَاءِ بِهِ، وَقِيَامِهِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَالْإِيحَاءِ إِلَيْهِ، وَالتَّحَدِّي بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ.
وَنَبَّهَ بِوَصْفِ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا إِلَى الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْغُلُوِّ الَّذِيِنَ قَدْ يَتَجَاوَزُونَ بِالرَّسُولِ r قَدْرَهُ، وَيَرْفَعُونَهُ إِلَى مَرْتَبَةِ الْأُلُوهِيَّةِ، كَمَا يَفْعَلُ ضُلَّالُ الصُّوفِيَّةِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ r أَنَّهُ قَالَ: { لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ } ([1]).
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَ الْعَبْدِ بِكَمَالِ عُبُودِيَّتِهِ r لِرَبِّهِ، وَكَمَالِ رِسَالَتِهِ، وَأَنَّهُ فَاقَ جَمِيعَ الْبَشَرِ فِي كُلِّ خَصْلَةٍ كَمَالُهُ.
وَلَا تَتِمُّ هَذِهِ الشَّهَادَةُ حَتَّى يُصَدِّقَهُ الْعَبْدُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَيُطِيعَهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ، وَيَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَى عَنْهُ.
الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌۭ لَّهُمْ ۗ } ([2])، وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي (صَحِيحِهِ) عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: (صَلَاةُ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ).
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: { وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ } ([3])، وَمِنَ الْآدَمِيِّينَ: التَّضَرُّعُ وَالدُّعَاءُ.
([3]) البخاري البيوع (2013) ، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (649) ، أبو داود الصلاة (559) ، أحمد (2/252) ، مالك النداء للصلاة (385) ، الدارمي الصلاة (1276).