نص المتن :
سورة الإخلاص تضمنت صفات الله وهي تعدل ثلث القرآن
وَقَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، حَيْثُ يَقُولُ: ﵟقُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ٤ ﵞ [الإخلاص: 1-4] .
قَوْلُهُ: (وَقَدْ دَخَلَ.. إلخ) شُرُوعٌ فِي إِيرَادِ النُّصُوصِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.
وَابْتَدَأَ بِتِلْكَ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ؛ لِتَجْرِيدِهَا التَّوْحِيدَ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ.
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﵟقُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢ﵞ [الإخلاص: 1-2] إِلَخِ السُّورَةِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ، أَقْرَبُهَا مَا نَقَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَقَاصِدَ أَسَاسِيَّةٍ: أَوَّلُهَا: الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْفِقْهِ وَالْأَخْلَاقِ.
ثَانِيهَا: الْقِصَصُ وَالْأَخْبَارُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِأَحْوَالِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ أُمَمِهِمْ، وَأَنْوَاعِ الْهَلَاكِ الَّتِي حَاقَتْ بِالْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ، وَأَحْوَالِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَتَفاصِيلِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
ثَالِثُهَا: عِلْمُ التَّوْحِيدِ، وَمَا يَجِبُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا هُوَ أَشْرَفُ الثَّلَاثَةِ.
وَلَمَّا كَانَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ قَدْ تَضَمَّنَتْ أُصُولَ هَذَا الْعِلْمِ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ إِجْمَالًا؛ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .
وَأَمَّا كَيْفَ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى عُلُومِ التَّوْحِيدِ كُلِّهَا، وَتَضَمَّنَتِ الْأُصُولَ الَّتِي هِيَ مَجَامِعُ التَّوْحِيدِ الْعِلْمِيِّ الِاعْتِقَادِيِّ؟ فَنَقُولُ:
إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﵟ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ﵞ [الإخلاص: 1] دَلَّتْ عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: فِي الذَّاتِ، وَفِي الصِّفَاتِ، وَفِي الْأَفْعَالِ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَى تَفَرُّدِهِ سُبْحَانَهُ بِالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَالْمَجْدِ وَالْجَلَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَلِهَذَا لَا يُطْلَقُ لَفْظُ ﵟ أَحَدٌ ١ﵞ [الإخلاص: 1] فِي الْإِثْبَاتِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ U وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ وَاحِدٍ.