الدروس العلمية شرح العقيدة الواسطية للهراس [1442 هـ] شروح العقيدة

الدرس الثاني والخمسون من شرح العقيدة الواسطية للهراس



duroos icon

نص المتن :

وَفِي الْآيَةِ الْحَثُّ عَلَى الْعَدْلِ وَفَضْلُهُ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﵟ‌فَمَا ‌ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ ﵞ [التوبة: 7]؛ فَمَعْنَاهُ: إِذَا كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَحَدٍ عَهْدٌ كَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَاهَدْتُمُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ عَلَى عَهْدِهِمْ مُدَّةَ اسْتِقَامَتِهِمْ لَكُمْ، فَـ (مَا) هُنَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ.

ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ: ﵟإِنَّ ٱللَّهَ ‌يُحِبُّ ‌ٱلۡمُتَّقِينَ ٧ﵞ [التوبة: 7]؛ أَيْ: يُحِبُّ الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّهَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ عَدَمُ نَقْضِ الْعُهُودِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:ﵟإِنَّ ٱللَّهَ ‌يُحِبُّ ‌ٱلتَّوَّٰبِينَﵞ [البقرة: 222] .. إِلَخْ؛ فَهُوَ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ مَحَبَّتِهِ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنْ عِبَادِهِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُمُ التَّوَّابُونَ؛ أَيْ: الَّذِينَ يُكْثِرُونَ التَّوْبَةَ وَالرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا أَلَمُّوا بِهِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ، فَهُمْ بِكَثْرَةِ التَّوْبَةِ قَدْ تَطَهَّرُوا مِنَ الْأَقْذَارِ وَالنَّجَاسَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُمُ الْمُتَطَهِّرُونَ الَّذِينَ يُبَالِغُونَ فِي التَّطَهُّرِ، وَهُوَ التَّنْظِيفُ بِالْوُضُوءِ أَوْ بِالْغُسْلِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَاتِ الْحِسِّيَّةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُتَطَهِّرِينَ هُنَا الَّذِينَ يَتَنَزَّهُونَ مِنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ أَوْ فِي أَدْبَارِهِنَّ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ أَوْلَى.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﵟقُلۡ إِن كُنتُمۡ ‌تُحِبُّونَ ‌ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ ﵞ [آل عمران: 31]؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَنَّ قَوْمًا ادَّعَوْا أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ مِحْنَةً لَهُمْ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ شَرَطَ اللَّهُ لِمَحَبَّتِهِ اتِّبَاعَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَنَالُ تِلْكَ الْمَحَبَّةَ إِلَّا مَنْ أَحْسَنَ الِاتِّبَاعَ وَالِاسْتِمْسَاكَ بِهَدْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

إِثْبَاتَ اسْمَيْنِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَهُمَا الْغَفُورُ وَالْوَدُودُ

(وَقَوْلُهُ:ﵟ‌وَهُوَ ‌ٱلۡغَفُورُ ‌ٱلۡوَدُودُ ١٤ﵞ [البروج: 14]، وَقَوْلُهُ:ﵟبِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ﵞ [الفاتحة: 1]، ﵟرَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَيۡءٖ ‌رَّحۡمَةٗ ‌وَعِلۡمٗا ﵞ [غافر: 7] ،ﵟوَكَانَ ‌بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ‌رَحِيمٗا ٤٣ ﵞ [الأحزاب: 43]،ﵟوَرَحۡمَتِي ‌وَسِعَتۡ ‌كُلَّ شَيۡءٖۚ ﵞ [الأعراف: 156]، ﵟكَتَبَ رَبُّكُمۡ ‌عَلَىٰ ‌نَفۡسِهِ ‌ٱلرَّحۡمَةَ ﵞ [الأنعام: 54]، ﵟ‌وَهُوَ ‌ٱلۡغَفُورُ ‌ٱلرَّحِيمُ ١٠٧ﵞ [يونس: 107]، ﵟ‌فَٱللَّهُ ‌خَيۡرٌ حَٰفِظٗاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ٦٤ﵞ [يوسف: 64].

قَوْلُهُ: ﵟ‌وَهُوَ ‌ٱلۡغَفُورُ ﵞ [يونس: 107] ) إِلَخْ؛ تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ إِثْبَاتَ اسْمَيْنِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَهُمَا: الْغَفُورُ، وَالْوَدُودُ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْغَفْرِ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ السَّتْرُ عَلَى الْمُذْنِبِينَ مِنْ عِبَادِهِ، وَالتَّجَاوُزُ عَنْ مُؤَاخَذَتِهِمْ.

وَأَصْلُ الْغَفْرِ: السَّتْرُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: الصَّبْغُ أَغْفَرُ لِلْوَسَخِ، وَمِنْهُ: الْمِغْفَرُ لِسُتْرَةِ الرَّأْسِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ مِنَ الْوُدِّ الَّذِي هُوَ خَالِصُ الْحُبِّ وَأَلْطَفُهُ، وَهُوَ إِمَّا مِنْ فَعُولٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: الْكَثِيرُ الْوُدِّ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَالْمُتَقَرِّبُ إِلَيْهِمْ بِنَصْرِهِ لَهُمْ وَمَعُونَتِهِ، وَإِمَّا مِنْ فَعُولٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: الْمَوْدُودُ لِكَثْرَةِ إِحْسَانِهِ، الْمُسْتَحِقُّ لِأَنْ يَوَدَّهُ خَلْقُهُ فَيَعْبُدُوهُ وَيَحْمَدُوهُ.

 ليلة الثلاثاء 27 ربيع أول 1443هـ

حفظ   

WordPress Themes