نص المتن :
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﵟبِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ﵞ [الفاتحة: 1] وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ؛ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ اسْمَيْهِ الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ، وَإِثْبَاتَ صِفَتَيِ الرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ ﵟبِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ﵞ [الفاتحة: 1] الْكَلَامُ عَلَى هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ، وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ أَوَّلَهُمَا دَالٌّ عَلَى صِفَةِ الذَّاتِ وَالثَّانِيَ دَالٌّ عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ.
وَقَدْ أَنْكَرَتِ الْأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ صِفَةَ الرَّحْمَةِ بِدَعْوَى أَنَّهَا فِي الْمَخْلُوقِ ضَعْفٌ وَخَوَرٌ وَتَأَلُّمٌ لِلْمَرْحُومِ، وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْجَهْلِ، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ لِلضُّعَفَاءِ، فلَا تَسْتَلْزِمُ ضَعْفًا وَلَا خَوَرًا؛ بَلْ قَدْ تَكُونُ مَعَ غَايَةِ الْعِزَّةِ وَالْقُدْرَةِ، فَالْإِنْسَانُ الْقَوِيُّ يَرْحَمُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَأَبَوَيْهِ الْكَبِيرَيْنِ وَمَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَأَيْنَ الضَّعْفُ وَالْخَوَرُ وَهُمَا مِنْ أَذَمِّ الصِّفَاتِ مِنَ الرَّحْمَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ نَفْسَهُ بِهَا، وَأَثْنَى عَلَى أَوْلِيَائِهِ الْمُتَصِّفِينَ بِهَا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَوَاصَوْا بِهَا؟ ! وَقَوْلُهُ:ﵟرَبَّنَا وَسِعۡتَﵞ [غافر: 7] .. إِلَخْ؛ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عز وجل حِكَايَةً عَنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَالَّذِينَ حَوْلَهُ، يَتَوَسَّلُونَ إِلَى اللَّهِ عز وجل بِرُبُوبِيَّتِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَرَحْمَتِهِ فِي دُعَائِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ التَّوَسُّلَاتِ الَّتِي يُرْجَى مَعَهَا الْإِجَابَةُ.
وَنَصَبَ قَوْلَهُ:ﵟرَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا ﵞ [غافر: 7] عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنِ الْفَاعِلِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ وَعِلْمُكَ كُلَّ شَيْءٍ، فَرَحْمَتُهُ سُبْحَانَهُ وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ وَالْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، وَلَكِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَكُونُ خَاصَّةً بِالْمُتَّقِينَ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﵟفَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ ﵞ [الأعراف: 156] .. الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﵟكَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ ﵞ [الأنعام: 12] ؛ أَيْ: أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا، وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ أَحَدٌ.
ليلة الأحد 02 ربيع الآخر 1443هـ