الدروس العلمية شرح العقيدة الواسطية للهراس [1442 هـ] شروح العقيدة

الدرس الخامس والخمسون من شرح العقيدة الواسطية للهراس



duroos icon

نص المتن :

إِثْبَاتَ بَعْضِ صِفَاتِ الْفِعْلِ مِنَ الرِّضَى لِلَّهِ وَالْغَضَبِ وَاللَّعْنِ وَالْكُرْهِ

(قَوْلُهُ: ﵟ‌رَّضِيَ ‌ٱللَّهُ ‌عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ﵞ [المائدة: 119] ، ﵟ‌وَمَن ‌يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ ﵞ [النساء: 93] وَقَوْلُهُ: ﵟذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ ‌مَآ ‌أَسۡخَطَ ‌ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضۡوَٰنَهُۥﵞ [محمد: 28]، ﵟفَلَمَّآ ءَاسَفُونَا ‌ٱنتَقَمۡنَا ‌مِنۡهُمۡ ﵞ [الزخرف: 55]، وَقَوْلُهُ: ﵟوَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ ‌فَثَبَّطَهُمۡ ﵞ [التوبة: 46] ، وَقَوْلُهُ: ﵟ‌كَبُرَ ‌مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٣ﵞ [الصف: 3].

قَوْلُهُ: ﵟ‌رَّضِيَ ‌ٱللَّهُ ‌عَنۡهُمۡ ﵞ [المائدة: 119].. إِلَخْ؛ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ إِثْبَاتَ بَعْضِ صِفَاتِ الْفِعْلِ مِنَ الرِّضَى لِلَّهِ، وَالْغَضَبِ، وَاللَّعْنِ، وَالْكُرْهِ، وَالسَّخَطِ، وَالْمَقْتِ، وَالْأَسَفِ.

وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ صِفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لِلَّهِ عز وجل عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا تُشْبِهُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا مَا يَلْزَمُ فِي الْمَخْلُوقِ.

فَلَا حُجَّةَ لِلْأَشَاعِرَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ عَلَى نَفْيِهَا، وَلَكِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ اتِّصَافَ اللَّهِ عز وجل بِهَا يَلْزَمُهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا هِيَ فِي الْمَخْلُوقِ، وَهَذَا الظَّنُّ الَّذِي ظَنُّوهُ فِي رَبِّهِمْ أَرْدَاهُمْ فَأَوْقَعَهُمْ فِي حَمْأَةِ النَّفْيِ وَالتَّعْطِيلِ.

وَالْأَشَاعِرَةُ يُرْجِعُونَ هَذِهِ الصِّفَاتِ كُلِّهَا إِلَى الْإِرَادَةِ؛ كَمَا عَلِمْتَ سَابِقًا، فَالرِّضَا عِنْدَهُمْ إِرَادَةُ الثَّوَابِ، وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ.. إِلَخْ إِرَادَةُ الْعِقَابِ.

وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ؛ فَيُرْجِعُونَهَا إِلَى نَفْسِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.

وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﵟ‌رَّضِيَ ‌ٱللَّهُ ‌عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ﵞ [المائدة: 119] إِخْبَارٌ عَمَّا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلِيَائِهِ مِنْ تَبَادُلِ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ.

أَمَّا رِضَاهُ عَنْهُمْ؛ فَهُوَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ مَا أُعْطُوا مِنَ النَّعِيمِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﵟ‌وَرِضۡوَٰنٞ ‌مِّنَ ‌ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚﵞ [التوبة: 72] .

وَأَمَّا رِضَاهُمْ عَنْهُ؛ فَهُوَ رِضَا كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَتِهِ مَهْمَا كَانَتْ، وَسُرُورُهُ بِهَا؛ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ خَيْرًا مِمَّا أُوتِيَ، وَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﵟ‌وَمَن ‌يَقۡتُلۡ ‌مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗاﵞ [النساء: 93] الْآيَةَ؛ فَقَدِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: (مُؤْمِنًا) عَنْ قَتْلِ الْكَافِرِ، وَبِقَوْلِهِ: (مُتَعَمِّدًا) – أَيْ: قَاصِدًا لِذَلِكَ، بِأَنْ يَقْصِدَ مَنْ يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا، فَيَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ – عَنِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ.

وَقَوْلُهُ: ﵟجَهَنَّمُ خَٰلِدٗا ﵞ [النساء: 93] ؛ أَيْ: مُقِيمًا عَلَى جِهَةِ التَّأْبِيدِ، وَقِيلَ: الْخُلُودُ: الْمُكْثُ الطَّوِيلُ.

وَاللَّعْنُ: هُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَاللَّعِينُ وَالْمَلْعُونُ: مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ، أَوْ دُعِيَ عَلَيْهِ بِهَا.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَأَنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَهَذَا مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﵟإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ ‌مَا ‌دُونَ ‌ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ ﵞ [النساء: 48]

وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِعِدَّةِ أَجْوِبَةٍ؛ مِنْهَا:

1 – أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ لِمَنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا قَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا.

2 – أَنَّ هَذَا هُوَ جَزَاؤُهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ لَوْ جُوزِيَ، مَعَ إِمْكَانِ أَلَّا يُجَازَى، بِأَنْ يَتُوبَ أَوْ يَعْمَلَ صَالِحًا يَرْجَحُ بِعَمَلِهِ السَّيِّئِ.

3 – أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ مَوْرِدَ التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ.

4 – أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ كَمَا قَدَّمْنَا.

 

ليلة الإثنين 10 ربيع الآخر 1443هـ

حفظ   

WordPress Themes