الدروس العلمية شرح العقيدة الواسطية للهراس [1442 هـ] شروح العقيدة

الدرس الثامن والأربعون من شرح العقيدة الواسطية للهراس



نص المتن :

قَوْلُهُ: ﵟوَلَوۡلَآ إِذۡ دَخَلۡتَﵞ [الكهف: 39]  إِلَخْ، هَذِهِ الْآيَاتُ دَلَّتْ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَتَيِ الْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ، وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ لَا تُحْصَى كَثْرَةً.

وَالْأَشَاعِرَةُ يُثْبِتُونَ إِرَادَةً وَاحِدَةً قَدِيمَةً تَعَلَّقَتْ فِي الْأَزَلِ بِكُلِّ الْمُرَادَاتِ، فَيَلْزَمُهُمْ تَخَلُّفُ الْمُرَادِ عَنِ الْإِرَادَةِ.

وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ؛ فَعَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ لَا يُثْبِتُونَ صِفَةَ الْإِرَادَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُرِيدُ بِإِرَادَةٍ حَادِثَةٍ لَا فِي مَحَلٍّ، فَيَلْزَمُهُمْ قِيَامُ الصِّفَةِ بِنَفْسِهَا، وَهُوَ مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ؛ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْإِرَادَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ:

1 – إِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ تُرَادِفُهَا الْمَشِيئَةُ، وَهُمَا تَتَعَلَّقَانِ بِكُلِّ مَا يَشَاءُ اللَّهُ فِعْلَهُ وَإِحْدَاثَهُ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا وَشَاءَهُ كَانَ عَقِبَ إِرَادَتِهِ لَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﵟإِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيۡـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢ﵞ [يس: 82]

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: { مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ } ([1]).

2 – وَإِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﵟيُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ ﵞ [البقرة: 185]

وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ؛ بَلْ قَدْ تَتَعَلَّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأُخْرَى، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ.

فَالْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ تَعَلُّقِهَا بِمَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِمِثْلِ إِيمَانِ الْكَافِرِ وَطَاعَةِ الْفَاسِقِ.

وَالْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ تَعَلُّقِهَا بِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَاقِعًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَاقِعٍ، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِرَادَتَيْنِ قَدْ تَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي مِثْلِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِ، وَطَاعَةِ الْمُطِيعِ.

وَتَنْفَرِدُ الْكَوْنِيَّةُ فِي مِثْلِ كُفْرِ الْكَافِرِ، وَمَعْصِيَةِ الْعَاصِي.

وَتَنْفَرِدُ الشَّرْعِيَّةُ فِي مِثْلِ إِيمَانِ الْكَافِرِ، وَطَاعَةِ الْعَاصِي.

([1]) أبو داود السنة (4612).

ليلة الاثنين 19 ربيع الأول 1443 هـ

حفظ   

WordPress Themes