الدروس العلمية شرح العقيدة الواسطية للهراس [1442 هـ] شروح العقيدة

الدرس الخامس والأربعون من شرح العقيدة الواسطية للهراس



duroos icon

نص المتن :

وَلِأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ فِيهَا مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَعَجِيبِ الصَّنْعَةِ وَدَقِيقِ الْخِلْقَةِ مَا يَشْهَدُ بِعِلْمِ الْفَاعِلِ لَهَا؛ لِامْتِنَاعِ صُدُورِ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ.

وَلِأَنَّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ هُوَ عَالِمٌ، وَالْعِلْمُ صِفَةُ كَمَالٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَالِمًا؛ لَكَانَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ.

وَكُلُّ عِلْمٍ فِي الْمَخْلُوقِ إِنَّمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ خَالِقِهِ، وَوَاهِبُ الْكَمالِ أَحَقُّ بِهِ، وَفَاقِدُ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ.

وَأَنْكَرَتِ الْفَلَاسِفَةُ عِلْمَهُ تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ ثَابِتٍ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا فِي الْخَارِجِ هُوَ جُزْئِيٌّ.

كَمَا أَنْكَرَ الْغُلَاةُ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ عِلْمَهُ تَعَالَى بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ حَتَّى يَعْمَلُوهَا؛ تَوَهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّ عِلْمَهُ بِهَا يُفْضِي إِلَى الْجَبْرِ، وَقَوْلُهُمْ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ.

إِثْبَاتَ اسْمِهِ الرَّزَّاقِ

وَقَوْلُهُ: ﵟإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِينُ ٥٨ﵞ [الذاريات: 58]

قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ..) إِلَخْ؛ تَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ اسْمِهِ الرَّزَّاقِ، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ مِنَ الرِّزْقِ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي يَرْزُقُ عِبَادَهُ رِزْقًا بَعْدَ رِزْقٍ فِي إِكْثَارٍ وَسَعَةٍ.

وَكُلُّ مَا وَصَلَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ مِنْ نَفْعٍ إِلَى عِبَادِهِ فَهُوَ رِزْقٌ؛ مُبَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ لَهُمْ قُوتًا وَمَعَاشًا؛ قَالَ تَعَالَى :

ﵟوَٱلنَّخۡلَ بَاسِقَٰتٖ لَّهَا طَلۡعٞ نَّضِيدٞ ١٠ رِّزۡقٗا لِّلۡعِبَادِۖ وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ ٱلۡخُرُوجُ ١١ﵞ [ق: 10-11]

 وَقَــالَ : ﵟوَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ ٢٢ﵞ [الذاريات: 22]

إِلَّا أَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي تَنَاوُلِهِ؛ فَهُوَ حَلَالٌ حُكْمًا، وَإِلَّا كَانَ حَرَامًا، وَجَمِيعُ ذَلِكَ رِزْقٌ.

وَتَعْرِيفُ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَالْإِتْيَانُ فِيهَا بِضَمِيرِ الْفَصْلِ؛ لِإِفَادَةِ اخْتِصَاصِهِ سُبْحَانَهُ بِإِيصَالِ الرِّزْقِ إِلَى عِبَادِهِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: { أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ r إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } ([1]).

وَأَمَّا قَوْلُهُ: (ذُو الْقُوَّةِ)؛ أَيْ: صَاحِبُ الْقُوَّةِ؛ فَهُوَ بِمَعْنَى اسْمِهِ الْقَوِيِّ؛ إِلَّا أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُوَّتَهُ سُبْحَانَهُ لَا تَتَنَاقَصُ فِيهِنَّ أَوْ يَفْتُرُ.

([1]) الترمذي القراءات (2940) ، أبو داود الحروف والقراءات (3993).

ليلة الاثنين 12 ربيع الأول 1443 هـ

حفظ   

WordPress Themes